الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.في الرَّجُلِ يَحْبِسُ الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا يَخْرُجُ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَمُوتَ: قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا وَهِيَ مِيرَاثٌ كُلُّهَا، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في السِّلَاحِ إذَا حَبَسَهُ - وَهُوَ صَحِيحٌ - وَلَمْ يُنْفِذْهُ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَكَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا حَبَسَ سِلَاحًا كَانَ يُخْرِجُهُ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ، وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ فَأَنْفَذَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ، فَمَا أَخْرَجَ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَمَا لَمْ يُخْرِجْ فَهُوَ مِيرَاثٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَسَ حَبْسًا مِنْ عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ في سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ وَلِيَهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يُوَجِّهْهُ في الْوُجُوهِ الَّتِي سَمَّى، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ وَيَلِيهِ حَتَّى مَاتَ. قَالَ: أَمَّا كُلُّ حَبْسٍ لَهُ غَلَّةٌ فَإِنَّهُ إنْ وَلِيَهُ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ في يَدَيْهِ رَأَيْتُهُ رَدًّا في الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ رَجُلٌ لَانْطَلَقَ إلَى مَالِهِ فَحَبَسَهُ وَيَأْكُلُ غَلَّتَهُ، فَإِذَا جَاءَهُ الْمَوْتُ قَالَ قَدْ كُنْتُ حَبَسْتُهُ لِيَمْنَعَهُ مِنْ الْوَارِثِ، فَلَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ مِثْلُ هَذَا مِنْ الْأَحْبَاسِ حَتَّى يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهَا الَّذِي حَبَسَهَا رَجُلًا غَيْرَهُ وَيَتَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْهَا. وَأَمَّا كُلُّ حَبْسٍ لَا غَلَّةَ لَهُ مِثْلُ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا وَجَّهَهُ في تِلْكَ الْوُجُوهِ الَّتِي سَمَّى وَأَعْمَلَهُ فيهَا فَقَدْ جَازَ، وَإِنْ كَانَ يَلِيهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَّهَهُ في شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا مِيرَاثًا. .(الرَّجُلُ يَحْبِسُ عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَى عَقِبِهِ وَلَا يَذْكُرُ في حَبْسِهِ صَدَقَةً): قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَحْبِسُ الْحَبْسَ عَلَى الرَّجُلِ وَعَقِبِهِ، أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، أَوْ يَقُولُ رَجُلٌ: هَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَرْجِعًا بَعْدَهُمْ فَانْقَرَضُوا: إنَّ هَذَا الْحَبْسَ مَوْقُوفٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَيَرْجِعُ إلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ يَكُونُ حَبْسًا عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِدَارِهِ عَلَى رَجُلٍ وَوَلَدِهِ مَا عَاشُوا وَلَا يَذْكُرُ لَهَا مَرْجِعًا إلَّا صَدَقَةً هَكَذَا إلَّا شَرْطٌ فيهَا فيهْلِكُ الرَّجُلُ وَوَلَدُهُ. قَالَ: أَرَى أَنْ تَرْجِعَ حَبْسًا عَلَى أَقَارِبِهِ في الْمَسَاكِينِ وَلَا تُورَثَ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَبَسَ دَارًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا قَالَ: الْحَبْسُ وَالصَّدَقَةُ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ ذَلِكَ الَّذِي حَبَسَ تِلْكَ الدَّارَ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا، فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلْيَسْكُنْهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ بَعْضُ رِجَالِ مَالِكٍ: كُلُّ حَبْسٍ أَوْ صَدَقَةٍ كَانَتْ عَنْ مَجْهُولِ مَنْ يَأْتِي فَهُوَ الْحَبْسُ الْمَوْقُوفُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَلَى وَلَدِي وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، فَهَذَا مَجْهُولٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَنْ حَدَثَ مِنْ وَلَدِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ يَدْخُلُ فيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ لِي بَعْدَهُمْ، فَهَذِهِ أَيْضًا عَلَى مَجْهُولِ مَنْ يَأْتِي. وَإِذَا سَمَّى فَإِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ بِأَعْيَانِهِمْ وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ. ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ وَعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ الْحَبْسُ الَّذِي لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ يُجَوِّزُهُ صَاحِبُهُ حَيَاتَهُ، فَإِذَا مَاتَ كَانَ الْحَبْسُ لِعَقِبِهِ وَلِعَقِبِ عَقِبِهِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ يَرْجِعُ إذَا انْقَرَضَ الْعَقِبُ إلَى مَا سَمَّى الْمُتَصَدِّقُ بِهَا وَسَبَلَهَا عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - مِنْهُمْ رَبِيعَةُ -: إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ لَا يَدْرِي بِعَدَدِهِمْ وَلَا يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: وَالصَّدَقَةُ الْمَوْقُوفَةُ الَّتِي تُبَاعُ إنْ شَاءَ صَاحِبُهَا إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إذَا سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَعْنَاهُ مَا عَاشُوا وَلَمْ يَذْكُرْ عَقِبًا، فَهَذِهِ الْمَوْقُوفَةُ الَّتِي يَبِيعُهَا صَاحِبُهَا إنْ شَاءَ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ: يَقُولُ دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى عَقِبِهِ مَنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَقُلْ صَدَقَةً. أَتَكُونُ حَبْسًا كَمَا يَقُولُ أَوْ صَدَقَةً؟ قَالَ: أَصْلُ قَوْلِهِ الَّذِي رَأَيْتُهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ، أَنَّهُ إذَا قَالَ حَبْسٌ وَلَمْ يَقُلْ صَدَقَةٌ فَهِيَ حَبْسٌ إذَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا كَانَتْ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فيهَا، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ إذَا قَالَ حَبْسًا عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ صَدَقَةً، أَوْ قَالَ حَبْسًا وَلَمْ يَقُلْ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ، فَهَذِهِ تَرْجِعُ إلَى الَّذِي حَبَسَهَا إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ فَتَكُونُ مَالًا لَهُمْ. وَقَدْ قَالَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَكِنَّهَا تَكُونُ مُحْبَسَةً، بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَقُولُ لَا تُبَاعُ، وَأَمَّا إنْ قَالَ حَبْسًا لَا تُبَاعُ، وَقَالَ حَبْسًا صَدَقَةً وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ، فَهَذِهِ الْمَوْقُوفَةُ الَّتِي تَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحْبَسَةِ عَلَيْهِ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ، وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْمُحْبَسِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا. قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُونَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ في هَذَا قَطُّ أَنَّهُ إذَا قَالَ حَبْسُ صَدَقَةٍ، أَوْ قَالَ حَبْسٌ لَا تُبَاعُ وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ، إنَّمَا الْمَوْقُوفَةُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ إنْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ كَانَ حَيًّا وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْمُحْبَسِ عَلَى حَالِ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يُقَالُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَبَسَ حَبْسًا عَلَى أَحَدٍ، ثُمَّ لَمْ يَقُلْ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الَّذِينَ حَبَسَ عَلَيْهِمْ الْحَبْسَ ثُمَّ مَاتُوا كُلُّهُمْ أَهْلُ الْحَبْسِ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَرَثَةِ الرَّجُلِ الَّذِي حَبَسَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ يُونُسَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَبَسَ دَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ غَيْرِهِ فَجَعَلَهَا حَبْسًا فَهِيَ حَبْسٌ عَلَيْهِمْ يَسْكُنُونَهَا عَلَى قَدْرِ مَرَافِقِهِمْ، وَإِنْ انْقَرَضُوا أَخَذَهَا وُلَاتُهُ دُونَ وُلَاةِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَعَ وَلَدِهِ إذَا كَانُوا وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ غَيْرَهُمْ. قَالَ رَبِيعَةُ: وَكُلُّ مَنْ حَبَسَ دَارًا عَلَى وَلَدِهِ فَأَوْلَادُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ، وَاَلَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ يَوْمَ تَصَدَّقَ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ قَوْمٌ بِفَضْلِ أَثَرِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ في سَعَةِ الْمَسَاكِنِ وَقُوَّةِ الْمَرَافِقِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ أَثَرَةٌ إلَّا بِتَفْضِيلِ حَقٍّ يُرَى. سَحْنُونٌ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ في الرَّجُلِ يَتْرُكُ الْمَالَ حَبْسًا عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْضُ وَلَدِهِ مِنْ صُلْبِهِ وَلَهُ وَلَدٌ. قَالَ رَبِيعَةُ: إنَّ الصَّدَقَةَ وَالْحَبْسَ الَّذِي يَجْرِي فيهِ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ يَكُونُ قَائِمًا لَا يُبَاعُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ الْوَلَدِ فَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَيَكُونُ في الْمَالِ فَلَا يُحْصَى، وَذَلِكَ الْوَلَدُ مَعَ أَعْمَامِهِمْ وَيَكُونُ الْمَالُ قَلِيلًا مُسْتَوْفًى، فَتَكُونُ الْأَعْمَامُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ وَلَدِ أَخِيهِمْ، وَيَكُونُ الْعُسْرُ وَالْيُسْرُ فينْظُرُ النَّاسُ في ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَنْ حَبَسَ دَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَهِيَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ - ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ - إلَّا أَنَّ وَلَدَهُ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ مَا عَاشُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ فَضْلٌ فيكُونَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَذَلِكَ حَقٌّ لِحَاجَتِهِمْ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَنْ حَبَسَ دَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَهِيَ عَلَى مَا وَضَعَهَا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِوَلَدِهِ قَبْلَ وَلَدِ وَلَدِهِ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ فيهَا حَقٌّ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: دَارِي حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يَدْخُلُونَ مَعَ الْآبَاءِ وَيُؤْثَرُ الْآبَاءُ، وَإِنْ قَالَ: وَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي. دَخَلُوا أَيْضًا وَيَبْدَأُ بِالْوَلَدِ وَكَانَ لَهُمْ الْفَضْلُ إنْ كَانَ فَضْلٌ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَانَ الْمُغِيرَةُ وَغَيْرُهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ شَيْءٌ إذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي. فَهِيَ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ شَيْءٌ. قَالَ اللَّهُ في كِتَابِهِ: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ في أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فَاجْتَمَعَ النَّاسُ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ في الْمِيرَاثِ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَنَاتٌ مِنْ صُلْبِهِ؛ لِأَنَّ بَنِي الْبَنِينَ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ يُقْسَمُ لَهُمْ الْمِيرَاثُ وَيَحْجُبُونَ مَنْ يَحْجُبُهُ مَنْ كَانَ فَوْقَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُمْ أَحَدٌ. وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الزِّنَادِ عَنْ رَجُلٍ حَبَسَ عَلَى رَجُلٍ وَوَلَدِهِ حَبْسًا مَا عَاشُوا أَلَّا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبَ وَلَا يُورَثَ. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فَهِيَ عَلَى مَا وَضَعَهَا عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنْ انْقَرَضُوا صَارَتْ إلَى وُلَاةِ الَّذِي حَبَسَ وَتَصَدَّقَ. قَالَ رَبِيعَةُ وَيَحْيَى وَابْنُ شِهَابٍ: إنَّ الْحَبْسَ إذَا رَجَعَ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى وُلَاةِ الَّذِي حَبَسَ وَتَصَدَّقَ. .حَبَسَ دَارِهِ في مَرَضِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَثُلُثُ يَحْمِلُهَا: قَالَ: تُقْسَمُ الدَّارُ عَلَى عَدَدِ الْوَلَدِ وَعَلَى عَدَدِ وَلَدِ الْوَلَدِ، فَمَا صَارَ لِوَلَدِ الْأَعْيَانِ دَخَلَتْ الْأُمُّ مَعَهُمْ وَالزَّوْجَةُ، فَكَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ. حَتَّى إذَا مَا انْقَرَضَ وَلَدُ الْأَعْيَانِ رَجَعَتْ الدَّارُ كُلُّهَا عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ. قُلْت: فَإِنْ انْقَرَضَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ؟ قَالَ: يُقْسَمُ نَصِيبُهُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ وَعَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ حَبَسَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ الْأُمُّ وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ في الَّذِي أَصَابَ وَلَدَ الْأَعْيَانِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ. قُلْت: فَإِنْ هَلَكَتْ الْأُمُّ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ هَلَكَتَا جَمِيعًا، أَيَدْخُلُ وَرَثَتُهُمَا في حُظُوظِهِمَا مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ حَيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ انْقَرَضَتْ الْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ أَوَّلًا، أَيَدْخُلُ وَرَثَتُهُمَا مَكَانَهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنْ انْقَرَضَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يُقَسَّمُ نَصِيبُهُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَعَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ، وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَةِ الْهَالِكِ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ وَوَرَثَةِ الزَّوْجَةِ وَوَرَثَةِ الْأُمِّ في الَّذِي أَصَابَ وَلَدَ الْأَعْيَانِ فيكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ. قُلْت: فَإِنْ مَاتَ وَرَثَةُ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ وَبَقِيَ وَرَثَةُ وَرَثَتِهِمْ؟ قَالَ: يَدْخُلُونَ في ذَلِكَ وَرَثَةُ وَرَثَتِهِمْ وَوَرَثَةُ مَنْ هَلَكَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ أَبَدًا مَا بَقِيَ مِنْ وَلَدِ الْأَعْيَانِ أَخَذَ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: هَذَا قَوْلُهُ. قُلْت: فَإِنْ انْقَرَضَ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ رَجَعَتْ حَبْسًا عَلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. .في الرَّجُلِ يَحْبِسُ الدَّارَ وَيَشْتَرِطُ عَلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ مَرَمَّتَهَا: قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ، وَهَذَا كِرَاءٌ وَلَيْسَ بِحَبْسٍ. قُلْت: تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْفَرَسِ تُحْبَسُ عَلَى الرَّجُلِ وَيَشْتَرِطُ عَلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ حَبْسَهُ سَنَةً وَعَلْفَهُ فيهَا. قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فيهِ. وَقَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ تُسْتَكْمَلَ السَّنَةُ كَيْفَ يَصْنَعُ أَيَذْهَبُ عَلَفُهُ بَاطِلًا؟ قُلْت: فَمَا يَصْنَعُ، أَتَجْعَلُ الْفَرَسَ وَالدَّارَ حَبْسًا إذَا وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ أَمْ يَبْطُلُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْفَرَسِ لَا خَيْرَ فيهِ. وَوَجْهُ كَرَاهِيَتِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ أَكَانَ تَذْهَبُ نَفَقَتُهُ؟ قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَبِيعُ عَبْدَهُ عَلَى أَنَّهُ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي: إنَّهُ لَا خَيْرَ فيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ قَدْ فَاتَ بِالتَّدْبِيرِ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِتَمَامِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ هَضَمَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ لِذَلِكَ شَيْئًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ في التَّدْبِيرِ. فَأَرَى في الْفَرَسِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ صَاحِبُهُ الَّذِي حَبَسَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ - إنْ لَمْ يَفُتْ الْأَجَلُ - أَنْ يَضَعَ الشَّرْطَ وَيَبْتِلَهُ لِصَاحِبِهِ فَعَلَ أَوْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا أَنْفَقَ وَيَأْخُذَ فَرَسَهُ، فَإِنْ فَاتَ الْأَجَلُ لَمْ أَرَ أَنْ يُرَدَّ، وَكَانَ لِلَّذِي بَتَلَ لَهُ بَعْدَ السَّنَةِ بِغَيْرِ قِيمَةٍ، وَأَرَى في الدَّارِ تَكُونُ حَبْسًا عَلَى مَا جَعَلَ وَلَا يَلْزَمُهُ مَرَمَّةٌ وَتَكُونُ مَرَمَّتُهَا مِنْ غَلَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ في سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُشْبِهُ الْبُيُوعَ إلَّا أَنَّ مَالِكًا يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. .في الْحَبْسِ عَلَى الْوَلَدِ وَإِخْرَاجِ الْبَنَاتِ وَإِخْرَاجِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَقَسْمِ الْحَبْسِ: وَأَخْبَرَنِي غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَغَيْرِهِمْ مِثْلَهُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَالَ في صَدَقَتِهِ عَلَى بَنِيهِ: لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ، وَأَنَّ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلَا مُضَارٍّ بِهَا. وَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ عِيَاضٍ ذَكَرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يَفْحَصَ لَهُ عَنْ الصَّدَقَاتِ وَكَيْفَ كَانَتْ أَوَّلَ مَا كَانَتْ. قَالَ: فَكَتَبْتُ إلَيْهِ أَذْكُرُ لَهُ صَدَقَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي الدَّحْدَاحَةِ، وَكَتَبْتُ إلَيْهِ أَذْكُرُ لَهُ أَنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَكَرَتْ لِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتِهِمْ مِنْهَا تَقُولُ: مَا وَجَدْتُ لِلنَّاسِ مَثَلًا الْيَوْمَ في صَدَقَاتِهِمْ إلَّا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا مَا في بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فيهِ شُرَكَاءُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ] قَالَتْ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَيَتَصَدَّقُ الرَّجُلُ بِالصَّدَقَةِ الْعَظِيمَةِ عَلَى ابْنَتِهِ فَتَرَى غَضَارَة صَدَقَتِهِ عَلَيْهَا وَتَرَى ابْنَتُهُ الْأُخْرَى، وَإِنَّهُ لِيُعْرَف عَلَيْهَا الْخَصَاصَةُ لَمَّا أَبُوهَا أَخْرَجَهَا مِنْ صَدَقَتِهِ. وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَاتَ حِين مَاتَ وَإِنَّهُ لَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّ صَدَقَاتِ النَّاسِ الَّتِي أَخْرَجُوا مِنْهَا النِّسَاءَ. وَإِنَّ مَالِكًا ذَكَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَبَسَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا دُورًا، وَإِنَّهُمَا سَكَنَا في بَعْضِهَا. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ عَائِشَةَ أَنَّ الصَّدَقَاتِ فيمَا مَضَى إنَّمَا كَانَتْ عَلَى الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ حَتَّى أَحْدَثَ النَّاسُ إخْرَاجَ الْبَنَاتِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَزْمِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَا أَخْرَجُوا مِنْهَا الْبَنَاتِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الصَّدَقَاتِ كَانَتْ عَلَى الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ دَارًا فَسَكَنَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَجِدْ بَعْضُهُمْ فيهَا مَسْكَنًا، فيقُولُ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مِنْهُمْ مَسْكَنًا أَعْطُونِي مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ حَقِّي قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ وَلَا أَرَى أَنْ يَخْرُجَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ، وَلَكِنْ إنْ غَابَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ مَاتَ سَكَنَ فيهِ، وَهَكَذَا حَبَسَ ابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ وَلَا يُعْطَى مَنْ لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا كِرَاءً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ غَابَ أَحَدٌ أَيْ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْمُقَامَ في الْمَوْضِعِ الَّذِي غَابَ إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ رَجُلًا يُرِيدُ أَنْ يُسَافِرَ إلَى مَوْضِعٍ لِيَرْجِعَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ في رِوَايَتِهِ: إنْ غَابَ مُسَجَّلًا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ في صَدَقَةِ الرِّبَاعِ: لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ لِأَحَدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فَضْلٌ مِنْ الْمَسَاكِنِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَبَسَ حَبْسًا عَلَى وَلَدِهِ وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ - وَلَيْسَ لَهُ يَوْمئِذٍ عَقِبٌ - فَأَنْفَذَهُ لَهُمْ في صِحَّتِهِ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَلَكَ وَلَدُهُ، ثُمَّ بَقِيَ بَنُو بَنِيهِ وَبَنُو بَنِي بَنِيهِ، هَلْ لِبَنِي بَنِيهِ مَعَ آبَائِهِمْ في الْحَبْسِ شَيْءٌ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُعْطَى بَنُو بَنِيهِ مِنْ الْحَبْسِ كَمَا يُعْطَى بَنُو بَنِيهِ إذَا كَانُوا مِثْلَهُمْ في الْحَالِ وَالْحَاجَةِ وَالْمُؤْنَةِ، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَادَ مَا دَامُوا صِغَارًا وَلَمْ يَبْلُغُوا وَلَمْ يَتَزَوَّجُوا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُؤْنَةٌ فَإِنَّمَا يُعْطِي الْأَبُ بِقَدْرِ مَا يُمَوَّنُ وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ حَتَّى يَتَزَوَّجَ، وَتَكُونَ حَاجَتُهُ وَمُؤْنَتُهُ مِثْلَ حَاجَةِ الْبَنِينَ فَهُمْ فيهِ شَرْعًا سَوَاءٌ إذَا كَانَ مَوْضِعًا، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَإِنَّهُ لَا يَقْسِمُ لَهُمْ وَيُعْطَى آبَاؤُهُمْ عَلَى قَدْرِ عِيَالِهِمْ. .في الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ يَمُوتُ وَقَدْ رَمَى في الْحَبْسِ مَرَمَّةً وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَوْ ذَكَرَهَا: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى لِوَرَثَتِهِ فيهَا شَيْئًا. قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ الْخَشَبَةَ الَّتِي أَدْخَلَ أَوْ مَا أَصْلَحَ فَقَالَ: خُذُوهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِي، أَوْ أَوْصَى بِهِ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَذَلِكَ لَهُ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا كَثِيرًا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ؟ قَالَ: الَّذِي أَخْبَرْتُك عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا بَنَى أَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً فَأَرَى مَالِكًا قَدْ ذَكَرَ الْبِنَاءَ، وَذَلِكَ عِنْدِي كُلُّهُ سَوَاءٌ. وَقَدْ قَالَ الْمَخْزُومِيُّ: لَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مُحَرَّمًا وَلَا صَدَقَةً إلَّا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ، مِثْلُ السُّتْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْمَيَازِيبِ مَا لَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ وَلَا قَدْرُهُ، فَأَمَّا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَهُ الْقَدْرُ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ يُبَاعُ في دَيْنِهِ وَيَأْخُذُ وَرَثَتُهُ. .في الرَّجُلِ يَحْبِسُ حَائِطَهُ في الْمَرَضِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَمُوتَ: قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ الثُّلُثُ يَحْمِلُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: إذَا مِتُّ فَحَائِطِي عَلَى الْمَسَاكِينِ حَبْسٌ لَهُمْ تَجْرِي عَلَيْهِمْ غَلَّتُهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ فَعَلَهُ في مَرَضِهِ مِنْ بَتِّ صَدَقَةٍ أَوْ بَتِّ عِتْقٍ لَيْسَ يَحْتَاجُ فيهِ إلَى أَنْ يَقْبِضَ مِنْ يَدَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ مِنْ يَدَيْهِ كَانَ مَوْقُوفًا لَا يَجُوزُ لِمَنْ قَبَضَهُ أَكَلَ غَلَّتَهُ إنْ كَانَتْ لَهُ غَلَّةٌ، وَلَا أَكَلَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ حَتَّى يَمُوتَ، فيكُونَ في الثُّلُثِ أَوْ يَصِحَّ، فينْفُذَ الْبَتْلُ كُلُّهُ إنْ كَانَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ في سَبِيلِ اللَّهِ أَمَرَ بِإِنْفَاذِ ذَلِكَ، وَإِنَّ فِعْلَ الصَّحِيحِ لَيْسَ يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا مَا قُبِضَ وَحِيزَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الْمُتَصَدِّقُ أَوْ يُفْلِسَ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ كَانَ لَهُ قَوْلٌ في فِعْلِ الْمَرِيضِ إذَا كَانَتْ لَهُ أَمْوَالٌ مَأْمُونَةٌ. .في الرَّجُلِ يَحْبِسُ حَائِطَهُ في الصِّحَّةِ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ: قَالَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ وَصِيَّةٍ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ وَصِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، أَوْ يُوصِيَ بِإِنْفَاذِهَا في مَرَضِهِ فَتَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَوْ وَهَبَ هِبَةً عَلَى مَنْ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَرِضَ الْمُتَصَدِّقُ أَوْ الْوَاهِبُ، كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهَا وَكَانَتْ مَالَ الْوَارِثِ، وَكَذَلِكَ الْعَطَايَا وَالنِّحَلُ. قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ نَبْهَانَ ذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالُوا: لَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ حَتَّى تُقْبَضَ. وَقَالَ شُرَيْحٌ وَمَسْرُوقٌ: وَلَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ إلَّا مَقْبُوضَةً ذَكَرَهُ أَشْهَلُ. وَإِنَّ يُونُسَ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا تَصَدَّقَ بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَمْ يَقْبِضْهُ مَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ، وَلَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ إلَّا بِقَبْضٍ. وَإِنَّ مَالِكًا وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ ذَكَرَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: مَنْ نَحَلَ وَلَدًا لَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نِحْلَةً فَأَعْلَنَ بِهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ. ابْنُ وَهْبٍ: وَإِنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرُوا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَشُرَيْحٍ الْكِنْدِيِّ وَابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَبُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ مِثْلَهُ. قَالَ شُرَيْحٌ: هُوَ أَحَقُّ مَنْ وَلِيَهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَإِنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ ذَكَرَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَوْلَادَهُمْ نُحْلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا، فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ مَالِي بِيَدَيَّ لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا، وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إيَّاهُ. مَنْ نَحَلَ نِحْلَةً لَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِلَهَا حَتَّى تَكُونَ إنْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، سَحْنُونٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ نَحَلَ عَائِشَةَ ابْنَتَهُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَمْ تَقْبِضْ ذَلِكَ حَتَّى حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ فَلَمْ يُجِزْ لَهَا ذَلِكَ. وَإِنَّمَا أَبْطَلَ عُمَرُ النِّحَلَ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ في الْكَبِيرِ الَّذِي مِثْلُهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَوَّزَهُ لِلصَّغِيرِ وَجَعَلَ الْأَبَ قَابِضًا لَهُ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْمَوَاهِبُ ثَلَاثَةٌ: مَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ النَّاسِ وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا الثَّوَابُ. فَمَوْهِبَةُ الثَّوَابِ يَرْجِعُ فيهَا صَاحِبُهَا إذَا لَمْ يُثْبِتْ. وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فيهَا. وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فيهَا إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ. وَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ذَكَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِوَجْهِ اللَّهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يُرِيدُ ثَوَابَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فيهَا إذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا، ذَكَرَهُ أَيْضًا مَالِكٌ. .في الرَّجُلِ يَحْبِسُ دَارِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ في يَدَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ، وَإِنْ كَانَ يَقْسِمُ غَلَّتَهَا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَنَا في الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدُّورِ وَالْأَرَضِينَ إذَا كَانَ لَهُ خَيْلٌ أَوْ سِلَاحٌ فَجَعَلَهَا في سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَانَ يُعْطِي الْخَيْلَ يُغْزَى عَلَيْهَا أَيَّامَ غَزْوِهَا، وَإِذَا قَفَلَتْ رُدَّتْ إلَيْهِ فَقَامَ عَلَيْهَا وَأَعْلَفَهَا وَالسِّلَاحُ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَنْقَذَهَا في حَيَاتِهِ هَكَذَا وَإِنْ كَانَتْ تَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ الْقَفْلِ، فَأَرَاهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ. وَلَا يُشْبِهُ هَذَا عِنْدِي النَّخْلَ وَلَا الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ. .حَبَسَ ثَمَرَةَ حَائِطِهِ عَلَى أَجَلٍ فَمَاتَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ وَفي النَّخْلِ ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَتْ: قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَبَسَ حَائِطًا لَهُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، فَكَانُوا يَسْقُونَ وَيَقُومُونَ عَلَى النَّخْلِ، فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَفي رُءُوسِ النَّخْلِ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَقَدْ أُبِّرَتْ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهَا لِلَّذِينَ بَقَوْا مِنْهُمْ يَتَقَوَّوْنَ بِهَا عَلَى سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَلَيْسَ مَنْ مَاتَ فيهَا شَيْءٌ وَلَوْ طَابَتْ الثَّمَرَةُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَحَدٌ كَانَ حَقُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فيهَا ثَابِتًا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، فَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُ هَذَا إنْ مَاتَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَطِيبَ الثَّمَرَةُ فَهِيَ تَرْجِعُ إلَى الْمُحْبِسِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا تَطِيبُ الثَّمَرَةُ كَانَتْ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: هَذَا إذَا كَانَتْ صَدَقَةً مُحْبَسَةً وَكَانُوا هُمْ يَلُونَ عَمَلَهَا. قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا مَالِكٌ غَيْرَ مَرَّةٍ وَنَزَلْتُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ مِثْلَ مَا أَخْبَرْتُكَ وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةً تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ غَلَّتُهَا فَقَطْ، وَلَيْسُوا يَلُونَ عَمَلَهَا فَنَصِيبُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ الْمُحْبِسِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ كَانَ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: يَكُونُ عَلَى مَنْ بَقِيَ وَلَيْسَ يَرْجِعُ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ إلَى الْمُحْبِسِ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَرَوَى الرُّوَاةُ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيٌّ الْمَخْزُومِيُّ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَبَسَ غَلَّةَ دَارٍ أَوْ ثَمَرَةَ حَائِطٍ أَوْ خَرَاجَ غُلَامٍ عَلَى جَمَاعَةِ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ يَرْجِعُ نَصِيبُهُ إلَى الَّذِي حَبَسَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُقْسَمُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ دَارًا لَا يَسْكُنُهَا غَيْرُهُمْ أَوْ عَبْدًا يَخْدُمُ جَمِيعَهُمْ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ رُدَّ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهُمْ الدَّارَ سُكْنَى وَاحِدِ وَاسْتِخْدَامُهُمْ الْعَبْدَ كَذَلِكَ. قَالَ سَحْنُونٌ: فَثَبَتَ الرُّوَاةُ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ عَلَى هَذَا. وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ فيمَا يُقْسَمُ وَفيمَا لَا يُقْسَمُ عَلَى مَا وَصَفْنَا إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ أَخَذَ بِرُجُوعِ مَالِكٍ في هَذَا بِعَيْنِهِ، وَقَالَ: يَرْجِعُ عَلَى مَنْ بَقِيَ كَانَ مِمَّا يُقَسَّمُ أَوْ لَا يُقَسَّمُ، وَمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ أَحَجُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ - وَالثَّمَرُ قَدْ أُبِّرَ - فَحَقُّهُ فيهَا ثَابِتٌ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الرُّوَاةِ مِنْهُمْ أَشْهَبُ. .في الرَّجُلِ يُسْكِنُ الرَّجُلَ مَنْزِلًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ مَرَمَّتَهُ: قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ كِرَاءً غَيْرَ مَعْلُومٍ. .(في الرجل يسكن الرجل دارا له على أن ينفق عليه حياته): قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ، وَمَا اسْتَغَلَّهَا فَذَلِكَ لَهُ وَتُرَدُّ الدَّارُ إلَى صَاحِبِهَا وَالْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّجُلِ غَرِمَهُ الرَّجُلُ لَهُ وَأَخَذَ دَارِهِ. .كِتَابُ الصَّدَقَةِ: .في الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِالصَّدَقَةِ فَلَا تُقْبَضُ مِنْهُ حَتَّى يَبِيعَهَا: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ قَدْ عَلِمَ بِصَدَقَتِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بَاعَهَا الْمُتَصَدِّقُ نَفَذَ الْبَيْعُ وَلَمْ يُرَدَّ وَكَانَ لَهُ الثَّمَنُ يَأْخُذُهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ إذَا كَانَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا حَيًّا وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوْلَى بِالدَّارِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا يُرَدُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَحِيزَتْ عَلَيْهِ. .في الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ عَلَى الرَّجُلِ في الْمَرَضِ فَلَمْ يَقْبِضْ صَدَقَتَهُ حَتَّى مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هِيَ وَصِيَّةٌ. قَالَ مَالِكٍ: وَكُلُّ مَا كَانَ مِثْلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ في الْمَرَضِ فَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا في الرسم الَّذِي قَبْلَهُ. .في الرَّجُلِ يَبْتِلُ صَدَقَتَهُ في مَرَضِهِ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ في صَدَقَتِهِ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فيهَا بَعْدَ مَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَلَكِنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوهَا فيوقِفُوهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ مِنْ الْعَقَارِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ. قُلْت: لِمَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فيهَا وَأَنْتَ تَجْعَلُهَا وَصِيَّةً؟ قَالَ: لِأَنَّهُ بَتَلَ شَيْئًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتِلَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ في الثُّلُثِ الَّذِي بَتَلَهُ في مَرَضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّجُوعَ في ذَلِكَ. قُلْت: وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي وُهِبَتْ لَهُ الْهِبَةُ في الْمَرَضِ أَنْ يَقْبِضَ هِبَتَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَرِيضِ مَالٌ مَأْمُونٌ مِنْ الْعَقَارِ وَالدُّورِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
|